فصل: السنة الأولى من سلطنة المنصور علي ابن الملك المعز

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


 السنة الأولى من سلطنة المنصور علي ابن الملك المعز

أيبك التركماني على مصر وهي سنة خمس وخمسين وستمائة على أن والده الملك المعز حكم فيها نحوًا من ثلاثة أشهر‏.‏

فيها أرسل الملك الناصر يوسف صاحب الشام ولده الملك العزيز بهدية إلى هولاكو ملك التتار وطاغيتهم‏.‏

وفيها قتلت الملكة شجرة الدر الملك المعز أيبك ثم قتلت هي أيضا‏.‏

وقد تقدم ذكر ذلك كل واحد على حدته في ترجمته من هذا الكتاب فلا حاجة إلى الإعادة‏.‏

وفيها توفي الأمير عز الدين أيبك بن عبد الله الحلبي الكبير كان من أعيان المماليك الصالحية النجمية وممن يضاهي الملك المعز أيبك التركماني في موكبه وكانت له المكانة العظمى في الدولة كان الأمراء يعترفون له بالتقدم عليهم وكان له عدة مماليك نجباء صاروا من بعده أمراء منهم‏:‏ ركن الدين إياجي الحاجب وبدر الدين بيليك الجاشنكير وصارم الدين أزبك الحلبي وغيرهم‏.‏

ولما قتل الملك المعز أيبك التركماني حدثته نفسه بالسلطنة فلما قبض قطز على الأمير سنجر الحلبي ركب أيبك هذا ومعه الأمراء الصالحية فتقنطر به فرسه فهلك خارج القاهرة وأدخل إليها ميتًا وكذلك وقع للأمير خاص ترك‏.‏

وقد تقدم ذكر ذلك في ترجمة الملك المنصور‏.‏

وفيها توفي الشيخ الإمام العلامة نجم الدين أبو محمد عبد الله بن محمد بن الحسن بن عبد الله البغدادي البادرائي ولد سنة أربع وتسعين وخمسمائة وسمع الكثير وتفقه وبرع وأفتى ودرس وترسل عن الخليفة إلى ملوك الشام ومصر غير مرة إلى هذه السنة ولي قضاء القضاة ببغداد‏.‏

ومات في سلخ ذي القعدة‏.‏

وفيها توفي الشيخ الأديب أبو الحسن علي بن محمد بن الرضا الموسوي الحسيني الشريف المعروف بابن دفتر خوان‏.‏

ولد سنة تسع وثمانين بحماة وكان فاضلًا وله تصانيف وشعر جيد من ذلك قوله‏:‏ الطويل إذا لمت قلبي قال عيناك أبصرت وإن لمت عيني قالت الذنب للقلب فعيني وقلبي قد تشاركن في دمي فيا رب كن عوني على العين والقلب وفيها توفيت الصاحبية غازية خاتون بنت الملك الكامل محمد ابن العادل أبي بكر بن أيوب والدة الملك المنصور صاحب حماة‏.‏

كانت صالحة دينة دبرت ملك ولدها المنصور بعد وفاة زوجها الملك المظفر أحسن تدبير وهي والدة الملك الأفضل نور الدين أبي الحسن علي أيضًا‏.‏

وكانت وفاتها في أواخر في القعدة أو في ذي الحجة من السنة‏.‏

وفيها توفي الشيخ الإمام العالم العلامة المقرئ أبو عبد الله محمد بن أبي القاسم بن فيره بن خلف الرعيني الشاطبي الأصل المصري المولد والدار الضرير راوي القصيدة المشهورة في القراءات التي لم يسبق إلى مثلها التي سماها حرز الأماني ووجه التهاني‏.‏

ومولده في حادي عشر في الحجة سنة ست أو سبع وسبعين وخمسمائة بمصر وتوفي بها في حادي عشر شوال ودفن من يومه بسفح المقطم ولم يخلف بعده مثله‏.‏

وكان الشيخ كثيرًا ما ينشد هذا اللغز وهو نعش الموتى واللغز المذكور للخطيب أبي زكريا يحيى بن سلامة الحصكفي وهو‏:‏ الطويل أتعرف شيئا في السماء نظيره إذا سار صاح الناس حين يسير فتلقاه مركوبًا وتلقاه راكبًا وكل أمير يعتليه أسير يحض على التقوى وتكره قربه وتنفر منه النفس وهو نذير وفيها توفي الوزير الصاحب شرف الدين هبة الله بن صاعد الفائزي كان أولًا نصرانيًا يلقب بالأسعد وهو منسوب بالفائزي إلى الملك الفائز إبراهيم ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب ثم أسلم وتنقل في الخدم حتى ولي الوزارة‏.‏

وكان عنده رياسة ومكارم وعقل وحسن تدبير وخدم عدة ملوك وكان محظوظًا عندهم وهو الذي هجاه الصاحب جمال الدين يحيى بن مطروح وقيل بهاء الدين زهير بقوله‏:‏ مجزوء الخفيف لعن الله صاعدا وأباه فصاعدا وبنيه فنازلا واحدا ثم واحدا وفيها توفي أبو الحسن المغربي الميورقي الشيخ نور الدين‏.‏

كان من أقارب الميورقي الملك المشهور ببلاد الغرب مات بدمشق ودفن بقاسيون وكان فاضلًا أديبًا شاعرًا‏.‏

ومن شعره من أبيات‏:‏ البسيط القضب راقصة والطير صادحة والستر مرتفع والماء منحدر وقد تجلت من اللذات أوجهها لكنها بظلال الدوح تستتر فكل واد به موسى يفجره وكل روض على حافاته الخضر قلت‏:‏ وهذا يشبه قول من قال في مليح حليق‏:‏ الرمل مرت الموسى على عارضه فكأن الماء بالآس غمر الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي المحدث أبو محمد عبد الرحمن بن أبي الفهم اليلداني في شهر ربيع الأول وله سبع وثمانون سنة‏.‏

والإمام شرف الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن أبي الفضل السلمي المرسي في نصف شهر ربيع الأول وله ست وثمانون سنة‏.‏

والإمام نجم الدين أبو محمد عبد الله بن أبي الوفاء البادرائي الشافعي في ذي القعدة ببغداد‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع وخمس وعشرون إصبعا‏.‏

مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وسبع عشرة إصبعا‏.‏

السنة الثانية من سلطنة المنصور علي ابن الملك المعز أيبك على مصر وهي سنة ست وخمسين وستمائة‏.‏

فيها استولى الطاغية هولاكو على بغداد وقتل الخليفة المستعصم بالله ومعظم أهل بغداد وقد تقدم ذلك‏.‏

وفيها كان الوباء العظيم بدمشق وغيرها‏.‏

وفيها توفي الأديب البارع شرف الدين أبو الطيب أحمد بن محمد بن أبي الوفا الربعي الموصلي المعروف بابن الحلاوي الشاعر المشهور كان من أحسن الناس صورة وألطفهم أخلاقا مع الفضيلة التامة ورحل البلاد ومدح الخلفاء والملوك وخدم الملك الرحيم بدر الدين لؤلؤًا صاحب الموصل ولبس زي الجند‏.‏

وشعره في نهاية الرقة والجزالة وهو صاحب القصيدة التي أولها‏:‏ الطويل حكاه من الغصن الرطيب وريقه وما الخمر إلا وجنتاه وريقه هلال ولكن أفق قلبي محله غزال ولكن سفح عيني عقيقه وأسمر يحكي الأسمر اللدن قده غدا راشقا قلب المحب رشيقه على خده جمر من الحسن مضرم يشب ولكن في فؤادي حريقه أقر له من كل حسن جليله ووافقه من كل معنى دقيقه بديع التثني راح قلبي أسيره على أن دمعي في الغرام طليقه على سالفيه للعذار جريرة وفي شفتيه للسلاف عتيقه يهدد منه الطرف من ليس خصمه ويسكر منه الريق من لا يذوقه على مثله يستحسن الصب هتكه وفي حبه يجفو الصديق صديقه من الترك لا يصبيه وجد إلى الحمى ولا ذكر بانات الغوير تشوقه ولا بات صبًا بالفريق وأهله ولكن إلى خاقان يعزى فريقه له مبسم ينسي المدام بريقه ويخجل نوار الأقاحي بريقه تداويت من حر الغرام ببرده فأضرم من ذاك الحريق رحيقه إذا خفق البرق اليماني موهنا تذكرته فاعتاد قلبي خفوقه حكى وجهه بدر السماء فلو بدا مع البدر قال الناس هذا شقيقه رآني خيالًا حين وافى خياله فأطرق من فرط الحياء طروقه فأشبهت منه الخصر سقمًا فقد غدا يحملني كالخصر ما لا أطيقه فما بال قلبي كل حب يهيجه وحتام طرفي كل حسن يروقه فهذا ليوم البين لم تطف ناره وهذا لبعد الدار ما جف موقه ولله قلبي ما أشد عفافه وإن كان طرفي مستمرًا فسوقه فما فاز إلا من يبيت صبوحه شراب ثناياه ومنها غبوقه وفيها توفي الأمير بكتوت بن عبد الله سيف الدين العزيزي أستادار الملك الناصر صلاح الدين وفيها توفي الملك الناصر أبو المظفر وقيل أبو المفاخر داود صاحب الكرك ابن الملك المعظم عيسى صاحب الشام ابن الملك العادل أبي بكر صاحب مصر ابن الأمير نجم الدين أيوب‏.‏

مولده في جمادى الآخرة سنة ثلاث وستمائة ووقع له أمور وحوادث ومحن تكرر ذكرها في عدة تراجم من هذا الكتاب‏.‏

وكان تغلب على الشام بعد موت عمه الملك الكامل محمد وقدم مصر بعد ذلك غير مرة وتوجه إلى الشرق ووقع له أمور يطول شرحها إلى أن مات في جمادى الأولى‏.‏

وكان ملكًا شجاعًا مقدامًا فاضلًا أديبًا شاعرًا وقد تقدم من شعره عدة أبيات يستعطف بها الملك الصالح نجم الدين أيوب في ترجمة الملك الصالح المذكور‏.‏

ومن شعره أيضا‏:‏ الطويل لئن عاينت عيناي أعلام جلق وبان من القصر المشيد قبابه تيقنت أن البين قد بان والنوى نأى شحطها والعيش عاد شبابه وفيها توفي العلامة المفتن أبو الفضل وقيل أبو العلاء بهاء الدين زهير بن محمد بن علي بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن المنصور بن عاصم الأزدي المكي القوصي المنشأ المصري الدار الكاتب الشاعر المشهور المعروف بالبهاء زهير صاحب الديوان المشهور‏.‏

مولده بوادي نخلة بقرب مكة في خامس ذي الحجة سنة إحدى وثمانين وخمسمائة وربي بصعيد مصر بقوص وقرأ الأدب وسمع الحديث وبرع في النظم والنثر والترسل وله الشعر الرائق الفائق وكان رئيسا فاضلًا حسن الأخلاق اتصل بخدمه الملك الصالح نجم الدين أيوب في حياة أبيه الملك الكامل ودام في خدمته إلى أن توفي‏.‏

وقد تقدم من ذكره في ترجمة الملك الصالح نبذة جيدة‏.‏

وكانت وفاة البهاء زهير هذا في يوم الأحد قبل المغرب رابع ذي القعدة وقيل خامسه‏.‏

ومن شعره - رحمه الله -‏:‏ الطويل ولما جفاني من أحب وخانني حفظت له الود الذي كان ضيعا ولو شئت قابلت الصدود بمثله ولكنني أبقيت للصلح موضعا وقد كان ما قد كان بيني وبينه أكيدًا ولكني رعيت وما رعى سعى بيننا الواشي ففرق بيننا لك الذنب يا من خانني لا لمن سعى ومن شعره أيضا قصيدته التي أولها‏:‏ الطويل رويدك قد أفنيت يا بين أدمعي وحسبك قد أحرقت يا شوق أضلعي إلى كم أقاسي لوعة بعد لوعة وحتى متى يا بين أنت معي معي وقالوا علمنا ما جرى منك بعدنا فلا تظلموني ما جرى غير أدمعي وفيها توفي الإمام الحافظ الحجة أبو محمد زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله بن سلامة بن سعد بن سعيد المنذري الدمشقي الأصل المصري المولد والدار والوفاة‏.‏

ولد سنة إحدى وثمانين وخمسمائة وسمع الكثير ورحل وكتب وصنف وخرج وأملى وحدث بالكثير وتخرج به جماعة وهو أحد الحفاظ المشهورين‏.‏

وفيها توفي الخليفة أمير المؤمنين المستعصم بالله أبو أحمد عبد الله ابن الخليفة المستنصر بالله منصور ابن الخليفة الظاهر بأمر الله محمد ابن الخليفة الناصر لدين الله أبي العباس أحمد ابن الخليفة المستضيء بالله أبي الحسن ابن الخليفة المستنجد بالله أبي المظفر يوسف ابن الخليفة المقتفي بالله أبي عبد الله محمد ابن الخليفة المستظهر بالله أبي العباس أحمد ابن الخليفة المقتدي بالله أبي القاسم عبد الله ابن الأمير محمد الذخيرة وهو غير خليفة ابن الخليفة القائم بأمر الله عبد الله ابن الخليفة القادر بالله أبي العباس أحمد ابن الأمير إسحاق وإسحاق غير خليفة ابن الخليفة المقتدر بالله أبي الفضل جعفر ابن الخليفة المعتضد بالله أبي العباس أحمد ابن الأمير طلحة الموفق وطلحة غير خليفة أيضًا ابن الخليفة المتوكل على الله أبي الفضل جعفر ابن الخليفة المعتصم بالله محمد ابن الخليفة الرشيد بالله هارون ابن الخليفة المهدي بالله محمد ابن الخليفة أبي جعفر عبد الله المنصور بن محمد بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي البغدادي آخر خلفاء بني العباس ببغداد وبموته انقرضت الخلافة من بغداد‏.‏

ولي الخلافة بعد وفاة والده المستنصر بالله في العشرين من جمادى الأولى سنة أربعين وستمائة ومات قتيلا بيد هولاكو طاغية التتار في هذه السنة‏.‏

وقد تقدم كيفية قتله في ترجمة الملك المنصور علي هذا وكانت مدة خلافته خمس عشرة سنة وثمانية أشهر وأيامًا‏.‏

وتقدير عمره سبع وأربعون سنة‏.‏

وكان قليل المعرفة بتدبير الملك نازل الهمة مهملًا للأمور المهمة محبًا لجمع الأموال يقدم على فعل ما يستقبح أهمل أمر هولاكو حتى كان في ذلك هلاكه‏.‏

وشغرت الخلافة بعده سنين وبقيت الدنيا بلا خليفة حتى أقام الملك الظاهر بيبرس البندقداري بعض بني العباس في الخلافة‏.‏

على ما يأتي ذكر ذلك في ترجمة الظاهر بيبرس البندقداري إن شاء الله تعالى‏.‏

وفيها توفي الأمير الأديب الشاعر سيف الدين أبو الحسن علي بن عمر بن قزل المعروف بالمشد الشاعر المشهور‏.‏

مولده بمصر في شوال سنة اثنتين وستمائة وتولى شد الدواوين بمصر مدة سنين وكان من أكابر الأمراء الفضلاء وهو قريب الأمير جمال الدين بن يغمور وله ديوان شعر مشهور بأيدي الناس وتوفي بدمشق في يوم عاشوراء‏.‏

ورثاه بعض الفضلاء فقال‏:‏ الكامل عاشور يوم قد تعاظم ذنبه إذ حل فيه كل خطب مشكل لم يكفه قتل الحسين وما جرى حتى تعدى بالمصاب على علي ومن شعره - رحمه الله - بيت مفرد كل كلمة منه قلب نفسها وهو‏:‏ مجزوء الكامل ليل أضاء هلاله أنى يضيء بكوكب وشادن أوردني حبه لهيب حر الشوق والفرقه أصبحت حرانًا إلى ريقه فليت لي من قلبه الرقه وله أيضا مضمنا مقتبسا‏:‏ البسيط وافى إلي وكأس الراح في يده فخلت من لطفه أن النسيم سرى لا تدرك الراح معنى من شمائله والشمس لا ينبغي أن تدرك القمرا وله في خود عمياء‏:‏ السريع علقتها نجلاء مثل المها فخان فيها الزمن الغادر أذهب عينيها فإنسانها في ظلمة لا يهتدي حائر تجرح قلبي وهي مكفوفة وهكذا قد يفعل الباتر ونرجس اللحظ غدا ذابلا واحسرتا لو أنه ناظر وله في لاعب شطرنج‏:‏ السريع لعبت بالشطرنج مع شادن رشاقة الأغصان من قده احل عقد البند من خصره وألثم الشامات من خده منصور بن المعمر بن عبد السلام الصرصري الضرير الشاعر المشهور‏.‏

كان من العلماء الفضلاء الزهاد العباد وكان له اليد الطولى في النظم وشعره في غاية الجودة ومدح النبي صلى الله عليه وسلم بقصائد لا تدخل تحت الحصر كثرة قيل‏:‏ إن مدائحه في النبي صلى الله عليه وسلم تقارب عشرين مجلدا‏.‏

ومن شعره من المدائح النبوية قوله‏:‏ الخفيف زار وهنًا ونحن بالزوراء في مقام خلا من الرقباء من حبيب القلوب طيف خيال فجلا نوره دجى الظلماء يا لها زورة على غير وعد بت منها في ليلة سراء نعمت عيشتي وطابت حياتي في دجاها يا طلعة الغراء ومنها‏:‏ يا هلال السرور يا قمر الأن - - س ونجم الهدى وشمس البهاء يا ربيع القلوب يا قرة العي - - ن وباب الإحسان والنعماء ومنها‏:‏ أحمد حبه فخار وتشري - - ف وعز باق لأهل الصفاء أحمد المصطفى السراج المنير ال - - خير خاتم الأنبياء ومن شعره في عدد الخلفاء بني العباس إلى المستعصم آخر خلفاء بني العباس ببغداد قال‏:‏ الطويل لكرب بني العباس سفاحهم جلا وجر لمنصور ومهدي الولا وهاد وهارون الرشيد تلاهما أمين ومأمون ومعتصم الملا وواثقهم من بعده متوكل ومنتصر والمستعين بنو العلا وطاب بمعتز جنى مهتد كما بمعتضد عيش لمعتمد حلا قلت‏:‏ لعله ما قال إلا‏:‏ ‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

كما بمعتمد عيش لمعتضد حلا لأن المعتمد عم المعتضد وتولى المعتضد الخلافة بعده‏.‏

انتهى‏.‏

ومكتفيا فاعدد ومقتدرًا وقد تلا قاهرًا راض لمتقي تلا ومستكفيا ثم المطيع وطائعًا وقادرهم والقائم اعدد محصلا وبالمقتدي مستظهر ساد مثلما بمسترشد والراشد المقتفي علا بمستنجد والمستضيء وناصر وظاهر والمستنصر اجل مقفلا قال الذهبي‏:‏ حكى لنا شيخنا ابن الذباهي - وكان خال أمه يعني الصرصري - قال‏:‏ بلغنا أنه دخل عليه التتار وكان ضريرا فطعن بعكازه بطن واحد قتله ثم قتل شهيدا بيد التتار‏.‏

انتهى‏.‏

قلت‏:‏ كل ذلك في واقعة هولاكو المقدم ذكرها‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفى الأمير سيف الدين المشد الشاعر صاحب الديوان واسمه علي بن عمر بن قزل في المحرم‏.‏

والشيخ يحيى بن يوسف بن يحيى الصرصري الزاهد صاحب الديوان استشهد ببغداد في صفر في أمم لا يحصون‏:‏ منهم المستعصم بالله أبو أحمد عبدا لله ابن المستنصر وله سبع وأربعون سنة وكانت خلافته ست عشرة سنة‏.‏

ومنهم أستاداره محيي الدين يوسف ابن الشيخ أبي الفرج بن الجوزي‏.‏

ومدرس المستنصرية الإمام أبو المناقب محمود بن أحمد بن محمود الزنجاني الشافعي وله ثلاث وثمانون سنة‏.‏

والمحدث شمس الدين علي بن المظفر بن القاسم النشبي في شهر ربيع الأول‏.‏

وأبو عمرو عثمان بن علي القرشي ابن خطيب القرافة في شهر ربيع الآخر وله أربع وثمانون سنة‏.‏

وأبو العز عبد العزيز بن محمد بن أحمد بن محمد بن صديق المؤدب الحراني بدمشق‏.‏

والملك الناصر أبو المظفر داود ابن الملك المعظم ابن العادل في جمادى الأولى وله ثلاث وخمسون سنة‏.‏

والمحدث نجيب الدين نصر الله بن أبي العز الشيباني بن شقيشقة في جمادى الآخرة وقد جاوز السبعين‏.‏

وأبو الفضل عبد العزيز بن عبد الوهاب بن بنان الكفرطابي في شوال وله تسع وسبعون سنة‏.‏

والأديب شرف الدين الحسين بن إبراهيم الإربلي اللغوي في ذي القعدة وله ثمان وثمانون سنة‏.‏

والحافظ زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي المنذري في ذي القعدة وله ست وسبعون سنة‏.‏

والبهاء زهير بن محمد بن علي المهلبي الكاتب الشاعر‏.‏

والعارف أبو الحسن علي بن عبد الله بن عبد الجبار الشاذلي الضرير بصحراء عيذاب في ذي القعدة‏.‏

وأبو العباس القرطبي أحمد بن عمر بن إبراهيم العدل بالإسكندرية وله ثمان وسبعون سنة‏.‏

وخطيب مردا أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن أحمد الحنبلي في ذي الحجة‏.‏

والحافظ صدر الدين أبو علي الحسن بن محمد بن محمد بن محمد البكري بالقاهرة في ذي الحجة وله اثنتان وثمانون سنة‏.‏

والشيخ أبو عبد الله الفاسي محمد بن حسن شيخ الإقراء بحلب في شهر ربيع الآخر‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع وتسع عشرة إصبعا‏.‏

مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وخمس أصابع‏.‏

السنة الثالثة من سلطنة المنصور علي ابن الملك المعز أيبك على مصر فيها خلع الملك المنصور علي المذكور بمملوك أبيه الملك المظفر قطز المعزي‏.‏

وقد تقدم ذلك‏.‏

وفيها دخل هولاكو ديار بكر قاصدا حلب‏.‏

يأتي ذكر ذلك كله في ترجمة الملك المظفر قطز إن شاء الله تعالى‏.‏

وفيها توفي الملك الرحيم أبو الفضائل بدر الدين لؤلؤ بن عبد الله الأتابكي صاحب الموصل كان من أجل الملوك وطالت أيامه بالموصل لأنه أقام بتدبير أستاذه نور الدين أرسلان شاه بن عز الدين مسعود بن موعود بن زنكي بن آق سنقر التركي‏.‏

فلما توفي نور الدين قام بتدبير ولده الملك القاهر عز الدين مسعود‏.‏

فلما توفي الملك القاهر سنة أربع عشرة وستمائة أقام صبيين من ولده هما ابنا بنت مظفر الدين صاحب إربل ثم إنه أخنى على أولاد أستاذه فقتلهم غيلة واحدا بعد واحد ثم بعد ذلك استبد بمملكة الموصل وأعمالها سبعا وأربعين سنة‏.‏

وكان كثير التجمل بالرسل والوافدين عليه وكان له همة عالية ومعرفة تامة وكان شديد البحث عن أخبار رعاياه ما يخفى عنه من أحوالهم إلا ما قل وكان يغرم على القصاد والجواسيس في كل سنة مالًا عظيمًا وكان إذا عدم من بلاده ما قيمته مائة درهم هان عليه أن يبذل عشرة آلاف دينار ليبلغ غرضه في عوده ولا يذهب مال رعيته‏.‏

قلت‏:‏ لله در هذا الملك ما أحوج الناس إلى ملك مثل هذا يملك الدنيا بأسرها‏.‏

وكانت وفاته وفيها توفي الأديب الفاضل أبو عبد الله بهاء الدين محمد بن مكي بن محمد بن الحسن القرشي الدمشقي العدل المعروف بابن الدجاجية كان فاضلًا شاعرًا مطبوعًا‏.‏

ومن شعره قوله‏:‏ مخلع البسيط كم تكتم الوجد يا معنى منا وما يختفي اللهيب سل عرب الواديين عمن بانوا فما بيننا غريب الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي أبو الحسين أحمد بن محمد بن أحمد الأنصاري الإشبيلي بن السراج مسند الغرب ببجاية في صفر وله سبع وتسعون سنة وكانت الرحلة إليه من الأقطار‏.‏

وصدر الدين أسعد بن عثمان بن المنجى ودفن بمدرسته الصدرية في شهر رمضان‏.‏

والمقرئ شمس الدين أبو الفتح محمد بن موسى الأنصاري بدمشق في المحرم‏.‏

والملك الرحيم بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل في شعبان‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع وست وعشرون إصبعا‏.‏

مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعا وإصبع واحدة‏.‏

سلطنة المظفر قطز السلطان الملك المظفر سيف الدين قطز بن عبد الله المعزي الثالث من ملوك الترك بالديار المصرية‏.‏

وقطز بضم القاف والطاء المهملة وسكون الزاي وهو لفظ مغلي‏.‏

تسلطن بعد خلع ابن أستاذه الملك المنصور علي ابن الملك المعز أيبك في يوم السبت سابع عشر ذي القعدة سنة سبع وخمسين وستمائة وذلك بعد أن عظمت الأراجيف بتحرك التتار نحو البلاد الشامية وقطعهم الفرات وهجمهم بالغارات على البلاد الحلبية وكان وصل إليه بسبب ذلك الصاحب كمال الدين عمر بن العديم رسولًا من الملك الناصر صلاح الدين يوسف صاحب حلب والشام يطلب منه النجدة على قتال التتار فأنزله قطز بالكبش وجمع القضاة والفقهاء والأعيان لمشاورتهم فيما يعتمد عليه في أمر التتار وأن يؤخذ من الناس ما يستعان به على جهادهم فحضروا في دار السلطنة بقلعة الجبل وحضر الشيخ عز الدين بن عبد السلام والقاضي بدر الدين السنجاري قاضي الديار المصرية وغيرهما من العلماء‏.‏

وجلس الملك المنصور علي في دست السلطنة وأفاضوا في الحديث فكان الاعتماد على ما يقوله ابن عبد السلام وخلاصة ما قال‏:‏ إنه إذا طرق العدو بلاد الإسلام وجب على العالم قتالهم وجاز لكم أن تأخذوا من الرعية ما تستعينون به على جهادكم بشرط ألا يبقى في بيت المال شيء وتبيعوا مالكم من الحوائص المذهبة والآلات النفيسة ويقتصر كل الجند على مركوبه وسلاحه ولتساووا هم والعامة‏.‏

وأما أخذ الأموال من العامة مع بقايا في أيدي الجند من الأموال والآلات الفاخرة فلا‏.‏

وانفض المجلس على ذلك ولم يتكلم السلطان بكلمة في المجلس لعدم معرفته بالأمور ولصغر سنه فلهج الناس بخلع المنصور وسلطنة قطز حتى يقوم بهذا الأمر المهم‏.‏

واتفق ذلك بعد أيام وقبض قطز هذا على الملك المنصور علي واحتج لكمال الدين ابن العديم وغيره بأنه صبي لا يحسن تدبير الملك وفي مثل هذا الوقت الصعب لابد أن يقوم بأمر الملك رجل شهم يطيعه الناس وينتصب للجهاد‏.‏

وكان الأميران‏:‏ علم الدين سنجر الغتمي المعظمي وسيف الدين بهادر حين جرى هذا الأمر غائبين في الصيد فاغتنم قطز لغيبتهما الفرصة فلما حضرا قبض عليهما واعتقلهما وتسلطن‏.‏

وركب بشعار الملك وجلس على كرسي السلطنة وتم أمره‏.‏

ولما وقع ذلك تقدم قطز إلى برهان الدين الخضر أن يتوجه في جواب رسالة الملك الناصر صلاح الدين يوسف صاحب الشام صحبة الصاحب كمال الدين ابن العديم ويعد الملك الناصر بالنجمة وإنفاذ العساكر إليه فتوجها ووصلا إلى دمشق وأديا الرسالة‏.‏

ولم يزل البرهان بدمشق إلى أن رحل الملك الناصر من دمشق إلى جهة الديار المصرية جافلًا من التتار‏.‏

وكان الناصر لما تحقق بحركة التتار رحل إلى برزة شمالي دمشق ونزل بها بعساكره واجتمع إليه أمم عظيمة من العرب والعجم والتركمان والأتراك والمطوعة فلم يعجب الناصر حاله لما رأى من تخاذل عسكره وعلم أنه إذا لاقى التتار لم يثبت عسكره لهم لكثرتهما ولقوتهم فإن هولاكو في خلق لا يحصيهم إلا الله تعالى عن المغل والكرج والعجم وغيرهم ولم يكن من حين قدومهم على بلاد المسلمين من سنة ست عشرة وستمائة إلى هذه السنة يلقاهم عسكر إلا فلوه سوى وقائع كانت بينهم وبين جلال الدين بن خوارزم شاه انتصف جلال الدين في بعضها ثم كبسوه على باب آمد وبددوا جمعه وأعقب ذلك موت جلال الدين بالقرب من ميافارقين‏.‏

وأما أمر هولاكو فإنه في جمادى الأولى من هذه السنة نزل حران واستولى عليها وملك بلاد الجزيرة ثم سير ولده أشموط بن هولاكو إلى الشام وأمره بقطع الفرات وأخذ البلاد الشامية وسيره في جمع كثيف من التتار فوصل أشموط إلى نهر الجوز وتل باشر ووصل الخبر إلى حلب من البيرة بذلك‏.‏

وكان نائب السلطان صلاح الدين يوسف بحلب ابنه الملك المعظم توران شاه فجفل الناس بين يدي التتار إلى جهة دمشق وعظم الخطب واجتمع الناس من كل فج عند الملك الناصر بدمشق واحترز الملك المعظم توران شاه ابن الملك الناصر بحلب غاية الاحتراز وكذلك جميع نواب البلاد الحلبية وصارت حلب في غاية الحصانة بأسوارها المحكمة البناء وكثرة الآلات‏.‏

فلما كان العشر الأخير من ذي الحجة سنة سبع وخمسين وستمائة قصد التتار حلب ونزلوا على قرية يقال لها سلمية وامتدوا إلى حيلان والحادي وسيروا جماعة من فخرج عسكر حلب ومعهم خلق عظيم من العوام والسوقة وأشرفوا على التتار وهم نازلون على هذه الأماكن وقد ركبوا جميعهم لانتظار المسلمين فلما تحقق المسلمون كثرتهم كروا راجعين إلى المدينة فرسم الملك المعظم بعد ذلك ألا يخرج أحد من المدينة‏.‏

ولما كان غد هذا اليوم رحلت التتار من منازلهم طالبين مدينة حلب واجتمع عسكر المسلمين بالنواشير وميدان الحصا وأخذوا في المشورة فيما يعتمدونه فأشار عليهم الملك المعظم أنهم لا يخرجون أصلا لكثرة التتار ولقوتهم وضعف المسلمين على لقائهم فلم يوافقه جماعة من العسكر وأبوا إلا الخروج إلى ظاهر البلد لئلا يطمع العدو فيهم فخرج العسكر إلى ظاهر حلب وخرج معهم العوام والسوقة واجتمعوا الجميع بجبل بانقوسا ووصل جمع التتار إلى أسفل الجبل فنزل إليهم جماعة من العسكر ليقاتلوهم فلما رآهم التتار اندفعوا بين أيديهم مكرا منهم وخديعة فتبعهم عسكر حلب ساعة من النهار ثم كر التتار عليهم فولوا منهزمين إلى جهة البلد والتتار في أثرهم‏.‏

فلما حاذوا جبل بانقوسا وعليه بقية عسكر المسلمين والعوام اندفعوا كلهم نحو البلد والتتار في أعقابهم فقتلوا من المسلمين جمعًا كثيرًا من الجند والعوام‏.‏

وممن استشهد في ذلك اليوم الأمير علم الدين زريق العزيزي - رحمه الله - وكان من أعيان الأمراء‏.‏

ونازل التتار المدينة في ذلك اليوم إلى آخره ثم رحلوا طالبين أعزاز فتسلموها بالأمان‏.‏

ثم عادوا إلى حلب في ثاني صفر من سنة ثمان وخمسين وستمائة وحاصروها حتى استولوا عليها في تاسع صفر بالأمان‏.‏

فلما ملكوها غدروا بأهل حلب وقتلوا ونهبوا وسبوا وفعلوا تلك الأفعال القبيحة على عادة فعلهم‏.‏

وبلغ الملك الناصر يوسف أخذ حلب في منتصف صفر فخرج الناصر من الشام بأمرائه نحو القبلة‏.‏

وكان رسل التتار بقرية حرستا فأدخلوا دمشق ليلة الاثنين سابع عشر صفر‏.‏

وقرئ بعد صلاة الظهر فرمان - أعني مرسومًا - جاء من عند ملك التتار يتضمن الأمان لأهل دمشق وما حولها وشرع الأكابر في تدبير أمرهم‏.‏

ثم وصلت التتار إلى دمشق في سابع عشر ربيع الأول فلقيهم أعيان البلد أحسن ملتقى وقرئ ما معهم من الفرمان المتضمن الأمان ووصلت عساكرهم من جهة الغوطة مارين من وراء الضياع إلى جهة الكسوة وأهلكوا في ممرهم جماعة كانوا قد تجمعوا وتحزبوا‏.‏

وفي السادس والعشرين منه جاء منشور من هولاكو للقاضي كمال الدين عمر بن بندار التفليسي بتفويض قضاء القضاة إليه بمدائن الشام إلى الموصل وميافارقين وغير ذلك وكان القاضي قبله صدر الدين أحمد بن سني الدولة‏.‏

وتوجه الملك الناصر نحو الديار المصرية ونزل العريش ثم قطيا بعد أن تفرق عسكره عنه وتوجه معظم عسكره إلى مصر قبله مع الأثقال‏.‏

فلما وصل الناصر إلى قطيا عاد منها إلى جهة الشام لشيء بلغه عن الملك المظفر صاحب مصر ونزل بوادي موسى ثم نزل بركة زيزاء فكبسه التتار بها وهو في خواصه وقليل من مماليكه فاستأمن الناصر من التتار وتوجه إليهم‏.‏

فلما وصل إليهم احتفظوا به وبقي معهم في ذل وهوان إلى أن قتل على ما يأتي ذكره في محله إن شاء الله تعالى‏.‏

وأما التتار فإنه بلغت غارتهم إلى غزة وبلد الخليل - عليه السلام - فقتلوا الرجال وسبوا النساء والصبيان واستاقوا من الأسرى والأبقار والأغنام والمواشي شيئًا كثيرًا‏.‏

كل ذلك والسلطان الملك المظفر قطز سلطان مصر يتهيأ للقاء التتار‏.‏

فلما اجتمعت العساكر الإسلامية بالديار المصرية ألقى الله تعالى في قلب الملك المظفر قطز الخروج لقتالهم بعد أن كانت القلوب قد أيست من النصرة على التتار وأجمعوا على حفظ مصر لا غير لكثرة عددهم واستيلائهم على معظم بلاد المسلمين وأنهم ما قصدوا إقليمًا إلا فتحوه ولا عسكرًا إلا هزموه ولم يبق خارج عن حكمهم في الجانب الشرقي إلا الديار المصرية والحجاز واليمن وهرب جماعة من المغاربة الذين كانوا بمصر إلى الغرب وهرب جماعة من الناس إلى اليمن والحجاز والباقون بقوا في وجل عظيم وخوف شديد يتوقعون دخول العدو وأخذ البلاد وصمم الملك المظفر - رحمه الله - على لقاء التتار وخرج من مصر في الجحافل الشامية والمصرية في شهر رمضان وصحبته الملك المنصور صاحب حماة وكان الأتابك فارس الدين أقطاي المستعرب الأمور كلها مفوضة إليه وسير الملك المظفر قطز إلى صاحب حماة وهو بالصالحية يقول له‏:‏ لا تحتفل في مد سماط بل كل واحد من أصحابك يفطر على قطعة لحم في صولقه‏.‏

وسافر الملك المظفر بالعساكر من الصالحية ووصل غزة والقلوب وجلة‏.‏

وأما كتبغانوين مقدم التتار على عسكر هولاكو لما بلغه خروج الملك المظفر قطز كان بالبقاع فاستدعى الملك الأشرف موسى ابن المنصور صاحب حمص وقاضي القضاة محيي الدين واستشارهم في ذلك فمنهم من أشار بعدم الملتقى والاندفاع بين يدي الملك المظفر إلى حيث يجيئه مدد من هولاكو ليقوى على ملتقى العسكر المصري ومنهم من أشار بغير ذلك وتفرقت الآراء فاقتضى رأي كتبغانوين الملتقى وتوجه من فوره لما أراد الله تعالى من إعزاز الإسلام وأهله وإذلال الشرك وحزبه بعد أن جمع كتبغانوين من في الشام من التتار وغيرهم وقصد محاربة المسلمين وصحبته الملك السعيد حسن ابن الملك العزيز عثمان‏.‏

ثم رحل الملك المظفر قطز بعساكره من غزة ونزل الغور بعين جالوت وفيه جموع التتار في يوم الجمعة خامس عشرين شهر رمضان ووقع المصاف بينهم في اليوم المذكور وتقاتلا قتالًا شديدًا لم ير مثله حتى قتل من الطائفتين جماعة كثيرة وانكسرت ميسرة المسلمين كسرة شنيعة فحمل الملك المظفر - رحمه الله - بنفسه في طائفة من عسكره وأردف الميسرة حتى تحايوا وتراجعوا واقتحم الملك المظفر القتال وباشر ذلك بنفسه وأبلي في ذلك اليوم بلاء حسنًا وعظم الحرب وثبت كل من الفريقين مع كثرة التتار‏.‏

والمظفر مع ذلك يشجع أصحابه ويحسن إليهم الموت وهو يكر بهم كرة بعد كرة حتى نصر الله الإسلام وأعزه وانكسرت التتار وولوا الأدبار على أقبح وجه بعد أن قتل معظم أعيانهم وأصيب مقدم العساكر التتارية كتبغانوين فإنه أيضا لما عظم الخطب باشر القتال بنفسه فأخزاه الله تعالى وقتل شر قتلة‏.‏

وكان الذي حمل عليه وقتله الأمير جمال الدين آقوش الشمسي - رحمه الله تعالى -‏.‏

وولوا التتار الأدبار لا يلوون على شيء واعتصم منهم طائفة بالتل المجاور لمكان الوقعة فأحدقت بهم العساكر وصابروهم على القتال حتى أفنوهم قتلًا ونجا من نجا‏.‏

وتبعهم الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري في جماعة من الشجعان إلى أطراف البلاد واستوفى أهل البلاد والضياع من التتار آثارهم وقتلوا منهم مقتلة عظيمة حتى إنه لم يسلم منهم إلا القليل جدًا‏.‏

وفي حال الفراغ من المصاف حضر الملك السعيد حسن ابن الملك العزيز عثمان ابن الملك العادل بين يدي السلطان الملك المظفر قطز وكان التتار لما ملكوا قلعة البيرة وجدوه فيها معتقلًا فأطلقوه وأعطوه بانياس وقلعة الصبيبة فانضم على التتار وبقي منهم وقاتل يوم المصاف المسلمين قتالًا شديدًا فلما أيد الله المسلمين بنصره وحضر الملوك عند الملك المظفر فحضر الملك السعيد هذا من جملتهم على رغم أنفه فلم يقبل المظفر عذره وأمر بضرب عنقه فضربت في ثم كتب الملك المظفر كتابًا إلى أهل دمشق يخبرهم فيه بالفتح وكسر العدو المخذول ويعدهم بوصوله إليهم ونشر العدل فيهم فسر عوام دمشق وأهلها بذلك سرورًا زائدًا وقتلوا فخر الدين محمد بن يوسف بن محمد الكنجي في جامع دمشق‏.‏

وكان المذكور من أهل العلم لكنه كان فيه شر وكان رافضيا خبيثا وانضم على التتار‏.‏

وقتلوا أيضًا بدمشق من أعوان التتار ابن الماسكيني وابن النفيل وغيرهما‏.‏

وكان النصارى بدمشق قد شمخوا وتجرؤوا على المسلمين واستطالوا بتردد التتار إلى كنائسهم‏.‏

وذهب بعضهم إلى هولاكو وجاؤوا من عنده بفرمان يتضمن الوصية بهم والاعتناء بأمرهم ودخلوا بالفرمان من باب توما وصلبانهم مرتفعة وهم ينادون بارتفاع دينهم واتضاع دين المسلمين ويرشون الخمر على الناس وفي أبواب المساجد فحصل عند المسلمين من ذلك هم عظيم‏.‏

فلما هرب نواب التتار حين بلغتهم الكسرة أصبح الناس وتوجهوا إلى دور النصارى ينهبونها ويأخذون ما استطاعوا منها وأخربوا كنيسة اليعاقبة وأحرقوا كنيسة مريم حتى بقيت كومًا وقتلوا منهم جماعة واختفى الباقون‏.‏

وكانت النصارى في تلك الأيام ألزموا المسلمين بالقيام في دكاكينهم للصليب ومن لم يقم أخرقوا به وأهانوه وشقوا السوق على هذا الوجه إلى عند القنطرة آخر سويقة كنيسة مريم فقام بعضهم على الدكان الوسطى من الصف الغربي بين القناطر وخطب وفضل دين النصارى ووضع من دين الإسلام وكان ذلك في ثاني عشرين شهر رمضان‏.‏

ثم من الغد طلع المسلمون مع قضاتهم وشهودهم إلى قلعة دمشق وبها التتار فأهانوهم التتار ورفعوا قسيس النصارى عليهم ثم أخرجوهم بالضرب فصار ذلك كله في قلوب المسلمين‏.‏

انتهى‏.‏

ثم إن أهل دمشق هموا أيضًا بنهب اليهود فنهبوا منهم يسيرًا ثم كفوا عنهم‏.‏

ثم وصل الملك المظفر قطز إلى دمشق مؤيدًا منصورًا فانجبرت بذلك قلوب الرعايا وتضاعف شكرهم لله تعالى‏.‏

والتقاه أهل دمشق بعد أن عفوا آثار النصارى وخربوا كنائسهم جزاء لما كانوا سلفوه من ضرب النواقيس على رؤوس المسلمين ودخولهم بالخمر إلى الجامع‏.‏

وفي هذا المعنى يقول بعض شعراء دمشق‏:‏ الخفيف هلك الكفر في الشام جميعًا واستجد الإسلام بعد دحوضه بالمليك المظفر الملك الأر - - وع سيف الإسلام عند نهوضه ملك جاءنا بعزم وحزم فاعتززنا بسمره وبيضه أوجب الله شكر ذاك علينا دائما مثل واجبات فروضه وفي نصرة الملك المظفر هذا يقول الشيخ شهاب الدين أبو شامة‏:‏ الكامل غلب التتار على البلاد فجاءهم من مصر تركي يجود بنفسه ثم قدم الخبر على السلطان بدمشق في شوال بأن المنهزمين من رجال التتار ونسائهم لحقهم الطلب من الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري فإن بيبرس كان تقدم قبل السلطان إلى دمشق يتبع آثار التتار إلى قرب حلب فلما قرب منهم بيبرس سيبوا ما كان في أيديهم من أسارى المسلمين ورموا أولادهم فتخطفهم الناس وقاسوا من البلاء ما يستحقونه‏.‏

وكان الملك المظفر قطز قد وعد الأمير بيبرس بحلب وأعمالها فلما انتصر على التتار انثنى عزمه عن إعطائه حلب وولاها لعلاء الذين علي بن بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل فكان ذلك سبب الوحشة بين بيبرس وبين الملك المظفر قطز‏.‏

على ما يأتي ذكره‏.‏

ولما قدم الملك المظفر إلى دمشق أحسن إلى الناس وأجراهم على عوائدهم وقواعدهم إلى آخر أيام الملك الناصر صلاح الدين يوسف‏.‏

وسير الملك الأشرف صاحب حمص يطلب منه أمانًا على نفسه وبلاده وكان الأشرف أيضا ممن انضاف إلى التتار فأمنه وأعطاه بلاده وأقره عليها فحضر الأشرف إلى خدمة الملك المظفر ثم عاد إلى بلده‏.‏

ثم توجه الملك المظفر صاحب حماة إلى حماة على ما كان عليه وكان حضر مع الملك المظفر قطز من مصر‏.‏

قلت‏:‏ والملك المظفر قطز هو أول من ملك البلاد الشامية واستناب بها من ملوك الترك‏.‏

ثم إن الملك المظفر قطز رتب أمور الشام واستناب بدمشق الأمير علم الدين سنجر الحلبي الكبير‏.‏

ثم خرج المظفر من دمشق عائدا إلى مصر إلى أن وصل إلى القصير وبقي بينه وبين الصالحية مرحلة واحدة ورحلت العساكر إلى جهة الصالحية وضرب الدهليز السلطاني بها وبقي المظفر مع بعض خواصه وأمرائه وكان جماعة قد اتفقوا مع الأمير بيبرس البندقداري على قتل الملك المظفر‏:‏ منهم الأمير سيف الدين أنص من مماليك نجم الدين الرومي الصالحي وعلم الدين صنغلي وسيف الدين بلبان الهاروني وغيرهم كل ذلك لكمين كان في نفس بيبرس لأجل نيابة حلب‏.‏

واتفق عند القصير بعد توجه العساكر إلى الصالحية أن ثارت أرنب فساق الملك المظفر قطز عليها وساق هؤلاء المتفقون على قتله معه فلما أبعدوا ولم يبق معه غيرهم تقدم إليه الأمير بيبرس البندقداري وشفع عنده شفاعة في إنسان فأجابه فأهوى بيبرس ليقبل يده فقبض عليها وحمل أنص عليه وقد أشغل بيبرس يده وضربه بالسيف ثم حمل الباقون عليه ورموه عن فرسه ورشقوه بالنشاب فقتلوه ثم حملوا على العسكر وهم شاهرون سيوفهم حتى وصلوا إلى الدهليز السلطاني بالصالحية فنزلوا ودخلوا والأتابك على باب الدهليز فأخبروه بما فعلوا فقال‏:‏ من قتله منكم فقال بيبرس‏:‏ أنا فقال‏:‏ يا خوند اجلس على مرتبة السلطان يأتي بقية ذلك في أول ترجمة الملك الظاهر بيبرس البندقداري المذكور‏.‏

إن شاء الله تعالى‏.‏

ولما وقع ذلك وبلغ الأمير علم الدين سنجر الحلبي الكبير نائب دمشق عز عليه قتل الملك المظفر ثم دعا الناس لنفسه واستحلفهم وتلقب بالملك المجاهد‏.‏

على ما يأتي ذكره أيضا‏.‏

أما الملك المظفر قطز فإنه دفن موضع قتله - رحمه الله تعالى - وكثر أسف الناس وحزنهم عليه‏.‏

قال الحافظ أبو عبد الله شمس الدين محمد الذهبي في تاريخه - رحمه الله تعالى - بعد ما سماه ونعته قال‏:‏ وكان المظفر أكبر مماليك الملك المعز أيبك التركماني وكان بطلًا شجاعًا مقدامًا حازمًا حسن التدبير يرجع إلى دين وإسلام وخير وله اليد البيضاء في جهاد التتار فعوض الله شبابه بالجنة ورضي عنه‏.‏

وحكى الشيخ شمس الدين الجزري في تاريخه عن أبيه قال‏:‏ كان قطز في رق ابن الزعيم بدمشق في القصاعين فضربه أستاذه فبكى ولم يأكل شيئًا يومه ثم ركب أستاذه للخدمة وأمر الفراش أن يترضاه ويطعمه قال‏:‏ فحدثني الحاج علي الفراش قال‏:‏ فجئته وقلت‏:‏ ما هذا البكاء من لطشة فقال‏:‏ إنما بكائي من لعنة أبي وجدي وهم خير منه فقلت‏:‏ من أبوك واحد كافر فقال‏:‏ والله ما أنا إلا مسلم ابن مسلم أنا محمود بن ممدود ابن أخت خوارزم شاه من أولاد الملوك فسكته وترضيته‏.‏

وتنقلت به الأحوال إلى أن تملك مصر‏.‏

ولما تملك أحسن إلى الحاج علي الفراش المذكور وأعطاه خمسمائة دينار وعمل له راتبا‏.‏

قال الذهبي أيضًا‏:‏ ولما تسلطن لم يبلع ريقه ولا تهنى بالسلطنة حتى امتلأت الشامات المباركة بالتتار ثم ساق الذهبي وقال الشيخ قطب الدين‏:‏ حكي عن الملك المظفر قطز أنه قتل جواده يوم القتال مع التتار ولم يصادف المظفر أحد من الأوشاقية فبقي راجلًا فرآه بعض الأمراء الشجعان فترجل له وقدم له حصانه فامتنع المظفر من ركوبه وقال‏:‏ ما كنت لأمنع المسلمين الانتفاع بك في هذا الوقت‏!‏ ثم تلاحقت الأوشاقية إليه‏.‏

وقال ابن الجزري في تاريخه‏:‏ حدثني أبي قال حدثني أبو بكر بن الدريهم الإسعردي والزكي إبراهيم أستاذ الفارس أقطاي قالا‏:‏ كنا عند سيف الدين قطز لما تسلطن أستاذه الملك المعز أيبك التركماني فأمرنا قطز بالقعود ثم أمر المنجم فضرب الرمل ثم قال له قطز‏:‏ اضرب لمن يملك بعد أستاذي الملك المعز أيبك ومن يكسر التتار فضرب وبقي زمانًا يحسب فقال‏:‏ يطلع معي خمس حروف بلا نقط‏.‏

فقال له قطز‏:‏ لم لا تقول محمود بن ممدود فقال‏:‏ يا خوند لا ينفع غير هذا الاسم فقال‏:‏ أنا هو أنا محمود بن ممدود وأنا أكسر التتار وآخذ بثأر خالي خوارزم شاه فتعجبنا من كلامه وقلنا‏:‏ إن شاء الله يكون هذا يا خوند فقال‏:‏ اكتموا ذلك وأعطى المنجم ثلاثمائة درهم‏.‏

قلت‏:‏ ونقل الشيخ قطب الدين اليونيني في تاريخه الذي ذيله على مرآة الزمان فقال في أمر المنجم غير هذه الصورة وسنذكرها في سياق كلام قطب الدين المذكور‏.‏

قال - أعني قطب الدين -‏:‏ كان المظفر أخص مماليك الملك المعز وأقربهم إليه وأوثقهم عنده‏.‏

وهو الذي قتل الأمير فارس الدين أقطاي الجمدار‏.‏

قال‏:‏ وكان الملك المظفر بطلًا شجاعًا مقدامًا حازمًا حسن التدبير لم يكن يوصف بكرم ولا شح بل كان متوسطا في ذلك وذكر حكايته لما أن قتل جواده يوم الوقعة بنحو مما حكيناه لكنه زاد بأن قال‏:‏ فلام المظفر بعض خواصه على عدم ركوبه وقال‏:‏ يا خوند - لو صادفك والعياذ بالله تعالى - بعض المغل وأنت راجل كنت رحت وراح الإسلام فقال‏:‏ أما أنا فكنت رحت إلى الجنة - إن شاء الله تعالى - وأما الإسلام فما كان الله ليضيعه فقد مات الملك الصالح نجم الدين أيوب وقتل بعده أبنه الملك المعظم توران شاه وقتل الأمير فخر الدين ابن الشيخ مقدم العساكر يوم ذاك ونصر الله الإسلام بعد اليأس من نصره‏!‏ - يعني عن نوبة أخذ الفرنج دمياط -‏.‏

ثم قال قطب الدين بعد ما ساق توجهه إلى دمشق وإصلاح أمرها إلى أن قال‏:‏ وقتل الملك المظفر قطز مظلومًا بالقرب من القصير وهي المنزلة التي بقرب الصالحية وبقي ملقى بالعراء فدفنه بعض من كان في خدمته بالقصير وكان قبره يقصد للزيارة دائمًا‏.‏

قال‏:‏ واجتزت به في شهر رمضان سنة تسع وخمسين وستمائة وترحمت عليه وزرته‏.‏

وكان كثير الترحم عليه والدعاء على من قتله‏.‏

فلما بلغ بيبرس ذلك أمر بنبشه ونقله إلى غير ذلك المكان وعفي أثره ولم يعفى خبره - رحمه الله تعالى وجزاه عن الإسلام خيرا - قال‏:‏ ولم يخلف ولدًا ذكرًا وكان قتله يوم السبت سادس عشر ذي القعدة سنة ثمان وخمسين وستمائة‏.‏

قلت‏:‏ فعلى هذا تكون مدة سلطنة الملك المظفر قطز سنة إلا يومًا واحدًا فإنه تسلطن في يوم السبت سابع عشر ذي القعدة من سنة سبع وخمسين وستمائة وقتل فيما نقله الشيخ قطب الدين في يوم السبت سادس عشر في القعدة من سنة ثمان وخمسين وستمائة انتهى‏.‏

قال‏:‏ حكى لي المولى علاء الدين بن غانم في غرة شوال سنة إحدى وتسعين وستمائة ببعلبك قال‏:‏ حدثني المولى تاج الدين أحمد ابن الأثير - تغمده الله برحمته - ما معناه‏:‏ أن الملك الناصر صلاح الدين يوسف - رحمه الله - لما كان على برزة في أواخر سنة سبع وخمسين وصله قصاد من الديار المصرية بكتب يخبرونه فيها أن قطز تسلطن وملك الديار المصرية وقبض على ابن أستاذه‏.‏

قال المولى تاج الدين - رحمه الله -‏:‏ فطلبني السلطان الملك الناصر قرأت عليه الكتب وقال لي‏:‏ خذ هذه الكتب ورح إلى الأمير ناصر الدين القيمري والأمير جمال الدين بن يغمور أوقف كلًا منهما عليها قال‏:‏ فأخذتها وخرجت فلما بعدت عن الدهليز لقيني حسام الدين البركتخاني وسلم علي وقال‏:‏ جاءكم بريدي أو قصاد من الديار المصرية‏.‏

فوريت وقلت‏:‏ ما عندي علم بشيء من هذا قال‏:‏ قطز تسلطن وتملك الديار المصرية ويكسر التتار قال تاج الدين‏:‏ فبقيت متعجبا من حديثه وقلت له‏:‏ ايش هذا القول ومن أين لك هذا قال‏:‏ والله هذا قطز خشداشي كنت أنا وإياه عند الهيجاوي من أمراء مصر ونحن صبيان وكان عليه قمل كثير فكنت أسرح رأسه على أنني كلما أخذت منه قملة أخذت منه فلسا أو صفعته ثم قلت في غضون ذلك‏:‏ والله ما أشتهي إلا أن الله يرزقني إمرة خمسين فارسًا فقال لي‏:‏ طيب قلبك أنا أعطيك إمرة خمسين فارسًا فصفعته وقلت‏:‏ أنت تعطيني إمرة خمسين‏!‏ قال‏:‏ نعم فصفعته فقال لي‏:‏ وألك علة‏!‏ ايش يلزم لك إلا إمرة خمسين فارسًا أنا والله أعطيك قلت‏:‏ ويلك‏!‏ كيف تعطيني قال‏:‏ أنا أملك الديار المصرية وأكسر التتار وأعطيك الذي طلبت قلت‏:‏ ويلك أنت مجنون‏!‏ أنت بقملك تملك الديار المصرية قال‏:‏ نعم رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وقال لي‏:‏ أنت تملك الديار المصرية وتكسر التتار وقول النبي صلى الله عليه وسلم حق لا شك فيه قال‏:‏ فسكت وكنت أعرف منه الصدق في حديثه وعدم الكذب‏.‏

قال تاج الدين‏:‏ فلما قال لي هذا قلت له‏:‏ قد وردت الأخبار بأنه تسلطن قال لي‏:‏ والله وهو يكسر التتار‏.‏

قال تاج الدين‏:‏ فرأيت حسام الدين البركتخاني - الحاكي ذلك - بالديار المصرية بعد كسر التتار فسلم علي وقال‏:‏ يا مولاي تاج الدين تذكر ما قلت لك في الوقت الفلاني قلت‏:‏ نعم قال‏:‏ والله حالما عاد الملك الناصر من قطيا دخلت الديار المصرية أعطاني إمرة خمسين فارسًا كما قال لا زائد على ذلك‏.‏

قال‏:‏ وحكى لي عز الدين محمد بن أبي الهيجاء ما معناه‏:‏ أن سيف الدين بلغاق حدثه أن الأمير بدر الدين بكتوت الأتابكي حكى لي قال‏:‏ كنت أنا والملك المظفر قطز والملك الظاهر بيبرس - رحمهما الله تعالى - في حال الصبا كثيرا ما نكون مجتمعين في ركوبنا وغير ذلك فاتفق أن رأينا منجمًا في بعض الطريق بالديار المصرية فقال له الملك المظفر قطز‏:‏ أبصر نجمي فضرب بالرمل وحسب وقال‏:‏ أنت تملك هذه البلاد وتكسر التتار فشرعنا نهزأ به‏.‏

ثم قال له الملك الظاهر بيبرس‏:‏ أبصر نجمي فقال‏:‏ وأنت أيضا تملك الديار المصرية وغيرها فتزايد استهزاؤنا به‏.‏

ثم قالا لي‏:‏ لا بد أن تبصر نجمك فقلت له‏:‏ أبصر لي نجمي فحسب وقال‏:‏ أنت تخلص لك إمرة مائة فارس يعطيك هذا وأشار إلى الملك الظاهر فاتفق أن وقع الأمر كما قال ولم يخرم منه شيء‏.‏

وهذا من عجيب الاتفاق‏.‏

انتهت ترجمة الملك المظفر قطز‏.‏

ويأتي ذكر حوادثه على عادة هذا الكاتب إن شاء الله تعالى‏.‏